تمتلك فلسطين تاريخًا عريقًا يمتد لآلاف السنين، حيث شهدت هجرات بشرية مهمة، من أبرزها هجرة الكنعانيين في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، الذين يعتبرون من أقدم الشعوب التي استوطنت هذه الأرض وأعطتها هويتها. على مر العصور، خضعت فلسطين لحكم إمبراطوريات وقوى متعددة، منها الإمبراطورية الفارسية، والإسكندر المقدوني، والرومان، والبيزنطيون، ثم الفتح الإسلامي الذي أصبحت بعده جزءًا من العالم الإسلامي لقرون، وصولًا إلى الحكم العثماني الذي استمر حتى أوائل القرن العشرين.
مشهد من الحياة في فلسطين خلال فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، قبل تصاعد وتيرة الأحداث التي أدت إلى النكبة.
في أواخر القرن التاسع عشر، بدأت تتبلور في أوروبا فكرة "الصهيونية" كحركة سياسية تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود، مع التركيز على فلسطين كوجهة أساسية. تزامنت هذه الفترة مع تصاعد ما يُعرف بـ "المسألة اليهودية" في أوروبا. يمكن تقسيم محاولات الاستيطان الأولى إلى مرحلتين:
شهدت هذه الفترة محاولات فردية وغير منظمة من قبل يهود أوروبيين للاستيطان في فلسطين. وفي عام 1878، أُنشئت أول مستعمرة يهودية زراعية تُعرف باسم "بتاح تكفا" على أراضٍ تم شراؤها من سكان قرية ملبس العربية. كانت هذه الخطوات بمثابة البذور الأولى لمشروع استيطاني أكبر.
مع تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897 بقيادة ثيودور هرتزل، أصبحت الهجرة اليهودية إلى فلسطين أكثر تنظيمًا وهدفًا معلنًا. سعت الحركة الصهيونية إلى تشجيع الهجرة وشراء الأراضي، مما أدى إلى زيادة تدريجية في أعداد المهاجرين اليهود.
يوضح المخطط الذهني التالي التسلسل الزمني للأحداث والعوامل الرئيسية التي مهدت الطريق لاحتلال فلسطين، بدءًا من الظروف التاريخية وصولًا إلى الأحداث المفصلية في منتصف القرن العشرين.
بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، دخلت فلسطين مرحلة جديدة تحت السيطرة البريطانية، والتي لعبت دورًا محوريًا في تمهيد الطريق للاحتلال.
في الثاني من نوفمبر عام 1917، أصدرت الحكومة البريطانية "وعد بلفور"، وهو عبارة عن رسالة من وزير خارجيتها آرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية. نص هذا الوعد على أن بريطانيا تنظر بعين العطف إلى تأسيس "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، مع التأكيد على عدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين. اعتبر الفلسطينيون والعرب هذا الوعد بمثابة بداية فعلية لمشروع استعماري يهدف إلى اقتلاعهم من أرضهم، خاصة أنه صدر من قوة لا تملك فلسطين، ووعدت به طرفًا آخر لا يستحقها.
بموجب قرارات عصبة الأمم، وُضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني رسميًا عام 1920، والذي استمر حتى عام 1948. خلال هذه الفترة، عملت سلطات الانتداب على تنفيذ وعد بلفور من خلال عدة إجراءات:
هذه السياسات أدت إلى تصاعد حدة التوتر والصراع بين السكان العرب الفلسطينيين والمهاجرين اليهود، ووضعت الأساس لأحداث عام 1948.
يقدم هذا الفيديو نظرة عامة مبسطة حول بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويسلط الضوء على بعض الأحداث التاريخية الرئيسية التي شكلت السياق العام للقضية.
شكلت نهاية الانتداب البريطاني وبداية حرب 1948 نقطة اللاعودة في تاريخ فلسطين، حيث تجسد مشروع الاحتلال على أرض الواقع.
في 29 نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181، القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة عربية ودولة يهودية، مع وضع منطقة القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية. بموجب هذا القرار، خُصص للدولة اليهودية حوالي 56% من مساحة فلسطين التاريخية، رغم أن اليهود كانوا يمثلون حينها حوالي ثلث السكان ويمتلكون أقل من 7% من الأرض. رفض الفلسطينيون والدول العربية قرار التقسيم بشدة، معتبرين إياه مجحفًا وغير عادل ويتجاهل حقوقهم التاريخية والوطنية، بينما قبلته القيادات الصهيونية واعتبرته أساسًا شرعيًا لإقامة دولتهم.
صورة رمزية تعكس مأساة النكبة الفلسطينية عام 1948، التي شهدت تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم.
عشية انتهاء الانتداب البريطاني رسميًا، في 14 مايو 1948، أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل على الأراضي التي خُصصت لها بموجب قرار التقسيم، بالإضافة إلى أجزاء أخرى. في اليوم التالي، 15 مايو 1948، ومع انسحاب آخر جندي بريطاني، تدخلت جيوش من عدة دول عربية (مصر، الأردن، سوريا، العراق، لبنان، والسعودية) في محاولة لمنع قيام إسرائيل وحماية الحقوق الفلسطينية. إلا أن الجيوش الصهيونية، التي كانت تتألف من متطوعين من منظمات عسكرية مثل الهاغاناه، الإرجون، شتيرن، والبلماخ، كانت أفضل تنظيمًا وتسليحًا، واستفادت من خطط مسبقة مثل "خطة داليت" التي هدفت إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي وتفريغها من سكانها العرب.
انتهت الحرب في مارس 1949 بتوقيع اتفاقيات هدنة بين إسرائيل والدول العربية المعنية. أسفرت الحرب، التي يسميها الفلسطينيون "النكبة" (الكارثة)، عن نتائج كارثية:
بهذا، بدأ الاحتلال الإسرائيلي الفعلي لأجزاء واسعة من فلسطين، وتأسست مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
يوضح الرسم البياني التالي تقييمًا تقديريًا لمدى تأثير عوامل مختلفة على تأسيس وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. يستند هذا التقييم إلى الأهمية التاريخية والسياسية لكل عامل وتأثيره المباشر على الأرض والسكان.
يُظهر التحليل أن حرب 1948 (النكبة) كانت لها التأثير الأعمق والأكثر مباشرة على الأرض والسكان الفلسطينيين، تليها حرب 1967 والاستيطان المستمر. كما أن وعد بلفور وقرار التقسيم كان لهما أهمية سياسية بالغة في تمهيد الطريق لهذه الأحداث.
بعد حرب 1948، عملت إسرائيل على ترسيخ سيطرتها على الأراضي التي احتلتها. الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) أُلحقت إداريًا بالأردن، بينما وُضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية. استمرت إسرائيل في سياساتها التوسعية، ولم يُسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، بموجب قوانين مثل "قانون أملاك الغائبين".
في يونيو 1967، اندلعت حرب الأيام الستة بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن. خلال هذه الحرب الخاطفة، تمكنت إسرائيل من تحقيق انتصار عسكري ساحق، واحتلت ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية: الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة. كما احتلت شبه جزيرة سيناء المصرية (التي أعيدت لاحقًا بموجب اتفاقية كامب ديفيد) وهضبة الجولان السورية (التي لا تزال محتلة). هذا الاحتلال أدى إلى نزوح موجة جديدة من الفلسطينيين، وأصبح مصطلح "الأراضي المحتلة" يشير بشكل أساسي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
يلخص الجدول التالي بعض الأحداث الرئيسية وتواريخها وتأثيرها على مسار قضية احتلال فلسطين، موضحًا التسلسل الزمني للأحداث الفارقة.
الحدث الرئيسي | التاريخ | الأهمية والتأثير |
---|---|---|
إنشاء أول مستوطنة يهودية (بتاح تكفا) | 1878 | بداية رمزية للاستيطان اليهودي المنظم في فلسطين. |
وعد بلفور | 1917 | تعهد بريطاني بدعم إقامة "وطن قومي لليهود" في فلسطين، مما شكل أساسًا سياسيًا للمشروع الصهيوني. |
بدء الانتداب البريطاني على فلسطين | 1920 | إدارة بريطانية لفلسطين سهلت الهجرة اليهودية وشراء الأراضي، مما أدى إلى تغيير ديموغرافي وتصاعد التوتر. |
قرار تقسيم فلسطين (رقم 181) | 1947 | اقتراح من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية؛ رفضه العرب وقبلته القيادات الصهيونية. |
إعلان دولة إسرائيل وحرب 1948 (النكبة) | 1948 | قيام إسرائيل على أنقاض فلسطين، واحتلالها لـ 78% من أراضيها، وتهجير أكثر من 700,000 فلسطيني. |
العدوان الثلاثي على مصر | 1956 | احتلت إسرائيل قطاع غزة لعدة أشهر خلال هذه الحرب. |
حرب 1967 (النكسة أو حرب الأيام الستة) | 1967 | احتلال إسرائيل للضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان. |
معركة الكرامة | 1968 | مواجهة عسكرية بين الجيش الإسرائيلي وقوات المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، كان لها أثر معنوي كبير. |
الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) | 1987-1993 | مقاومة شعبية واسعة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة. |
اتفاقيات أوسلو وبداية الحكم الذاتي | 1993-1994 | اتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أدت إلى إقامة سلطة وطنية فلسطينية ذات حكم ذاتي محدود. |
انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) | 2000-2005 | اندلاع مواجهات واسعة ردًا على ممارسات الاحتلال وزيارة شارون للمسجد الأقصى. |
شهدت العقود اللاحقة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتوسعًا في بناء المستوطنات، وممارسات قمعية ضد الشعب الفلسطيني. اندلعت انتفاضات شعبية كبرى، مثل الانتفاضة الأولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة) وانتفاضة الأقصى عام 2000، كرد فعل على استمرار الاحتلال. وفي عام 1994، بدأ تطبيق محدود للحكم الذاتي الفلسطيني في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية بموجب اتفاقيات أوسلو، وأُجريت أول انتخابات رئاسية فلسطينية عام 1996 فاز بها ياسر عرفات. على الرغم من هذه التطورات، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يشكل العقبة الرئيسية أمام تحقيق السلام وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.